خلف الأقنعة

موضوع: خلف الأقنعة السبت أغسطس 02, 2008 7:51 pm

خلف الأقنعة

affraid

:cyclops:

ربما تبدو الصورة قاتمة والناس لم يعد فيها خير ، كلما تعاملت مع أحدهم تجده يهاجمك ويبرز لك أسوأ ما عنده ، ويكون رد فعلك مماثلا له إن لم يكن أشد ، وتظل تردد ( ارحمنا يارب ماالذي حدث في الدنيا ؟ وكيف انحدر الناس وتغيروا بهذه الصورة )

إذا أتيحت لك الفرصة لمزيد من الاقتراب من نفس الأشخاص والتعامل مع الجانب الإنساني فيهم والذي يختفي خلف قناع زائف من إظهار القوة والشراسة ، ستجد الوضع مختلفا تماما .

افتقد الناس الشعور بالأمان والشعور بالانتماء ، وهي احتياجات إنسانية فطرية لا تكتمل شخصية الإنسان بدونها ، وبالنسبة لشخص يسكنه الخوف ويحركه التوجس في الآخرين لابد أن يكون سلوكه مضطربا وأعصابه متوترة ، يفسر كلامك علي أسوأ احتمال ويبادر بمهاجمتك دفاعا عن حقه الذي يظن أنك ستسلبه منه .

في هذه الحالة يخرج المرء للحياة وهو يخفي وجهه الطيب ونواياه الحسنة ورغبته الأصيلة في المودة والتواصل خلف الأقنعة ، قناع الحذر وقناع الشك وقناع إظهار القوة ، تتلخص فلسفته في أن البعد عن الناس غنيمة و خير وسيلة للدفاع هي الهجوم وسوء الظن من حسن الفطن ، وهكذا ينعزل الناس ويتباعدون ويعيش كل منهم في جزيرته المعزولة محروما من المودة والدفء والتعاون ، يخسر الجميع وتتفكك أواصر العلاقات الاجتماعية ، وكلما زاد التباعد ازدادت الصورة المتخيلة عن الآخرين سوءا .

أحيانا يحدث موقف ما يكشف لك زيف الصورة ويظهر لك أن خلف الأقنعة هناك بشرا طيبين مسالمين متعطشين للكلمة الطيبة و ودفء المحبة الخالصة ، عندما يطرق بابك الجار ذو الوجه العابس دائما والكلمات الجافة ، ليستغيث لأن زوجته تعبت فجأة وتري مدي جزعه وقلة حيلته ورغبته الصادقة في جيرة طيبة لكنه كان يخاف .

عندما تخرج في سفر جماعي مع مجموعة من الزملاء لا تربطك بهم علاقات حقيقية وتبدأ الرحلة بالتوجس والتوتر وتدريجيا يذوب جليد الخوف والرهبة وتشعر بروح التآلف والمودة ، وتختلف الصورة تماما في رحلة العودة ليحل الإيثار والتعاون بينكم .

عندما تشك أن فلانا تعمد عدم تهنئتك بنجاحك لغيرته منك وتقاطعه ، لتكتشف أنه كان مصابا في حادث ولم يشأ أن يزعجك بمصابه حتى لا يفسد فرحتك ، وغيرها كثير .

يقول علماء النفس أن مفتاح السعادة هو النجاح وأساس النجاح هو العطاء ثم العطاء ثم العطاء ، وعندما تحدث الشاعر عن شجرة التين الحمقاء التي قررت ألا تثمر وأن تقصر ظلها علي نفسها حتي لا يستفيد منها أحد قرر صاحبها أن يجتثها من جذرها لأنها لا نفع فيها ، في الحقيقة هذه الشجرة لم تكن فقط حمقاء وإنما أيضا أنانية ، الأنانية هى الحبل الذي يعقده الإنسان بنفسه ويضع فيه رأسه ويظل يشده ويقصره حتي يختنق به .

في البداية يقصر نفعه علي عائلته والمقربين منه ، وتدريجيا يضيق الدائرة ويشد حبل الأنانية حول عنقه حتى تصبح الدنيا الواسعة الجميلة أضيق في عينه من ثقب الإبرة ، ويشكو من جحود الناس وعدم سؤالهم عنه عندما يحتاجهم ويتناسي أنه هو من قطع الأواصر وعكر مياه النهر دون أن يقدر أنه سيحتاج يوما للعودة إليه والشرب منه .

نكسب كثيرا عندما نفتح قلوبنا للناس ونتعامل مع الجوانب الطيبة فيهم ، ونرسم لهم في نفوسنا أفضل صورة ممكنة ، سيرون فورا صورتهم الجميلة في عيوننا ويقبلون علينا بكل الحب والثقة .

العطاء ثراء للنفس وزيادة في مساحات الخصوبة بداخلها وهو يفيد من يمنحه أكثر ويعطيه انطلاقا في سماء رحبة بلا حدود ، أما الأنانية فإنها قيد يجعل الحركة محدودة لا تتجاوز تحت قدميك ، ليكون حكمك صحيحا علي الناس لا تتسرع وابحث هناك خلف الأقنعة .