لم تنبت لي أجنحة
******************
*************
****
هل يوجد إنسان مثالي يعيش علي الأرض ؟ وأين هو ؟ وكيف يعيش ؟
وهل تحتاج الأرض لمثالية البشر ؟
_ _ _
كانت تتخيله في صور عديدة وتعبت في البحث عنه حتى وجدته يوما فوق سطح بيتها .
شابا نحيلا يشوبه خجل ، لا يخلو من وسامة والمهم عندها كان صوته في الليل ، بينما يتنقل الشباب بين قنوات الغناء والعري ويتسابقون في متابعة أغاني هابطة إلي ما بعد القاع كان (عبد الحميد ) يقضي ليله في التغني بالقرآن الكريم .
كانت وقتها طالبة جامعية صغيرة السن والتجربة ، تنشد المثالية تفكر دائما لماذا يخطئ البشر ؟ وما كل هذه الجرائم والذنوب التي تدنس وجه البشرية ؟ عن نفسها كانت تحاول الوصول لتحقيق المثالية وكان ينقصها الرفيق الذي يشد أزرها ويكون لها قدوة وسند .
جمعت معلومات كثيرة عن( عبد الحميد ) خريج كلية أزهرية ، يعمل محفظا للقرآن وله محاولات في الكتابة للصحف ، طيب وفي حاله ، يصلي الفجر في المسجد ، هذا هو الرفيق والسند إنه فارس أحلامها الملائكية ، ولكن ( سالي ) لم تفهم لماذا لا يلتفت إليها ؟
لا تستسلم البنات أبدا ، أقنعت أبيها باحتياج أخيها الصغير لمحفظ حتى يستثمر وقته في الإجازة الصيفية فيما ينفع ، ولما طلب ( عبد الحميد ) أن يصعد الولد لحجرته ليأخذ الحصة ، اعترضت ( سالي ) أخيها صغير محب للعب ويجب أن يأتي المحفظ للبيت ليكون الولد تحت رقابتهم ، وتم لها ما أرادت .
فعلت حيل البنات أفاعيلها وتكلم أبو الهول معربا عن رغبته في خطبة ربة الصون والعفاف الآنسة سالي ، ورغم قلة إمكانياته ووجود بعض التخبط في ظروفه العائلية تمت الخطبة ، انقشعت هالات النور من حوله في عيني الفتاة شيئا فشيئا وإذا بالنموذج والمثال يتفكك ويتحلل ويصبح شابا عاديا ، ولكنها لم ترد التفريط بحلمها وتشبثت بالجزء النوراني فيه ، تلاوته للقرآن .
أخبرها يوما أن والدته توفيت قريبا وهي غاضبة منه لما كان يبدر منه من أفعال ( طيش الشباب ) كما أسماها وأنه لم يطق البقاء في البيت بعد وفاتها فترك الصعيد ونزح إلي القاهرة وأن الله أكرمه بالعمل والسكن وبخطبة فتاة رائعة لم يكن يتمني أفضل منها ، أما إكثاره من التلاوة والتعبد في جوف الليل فكان بهدف الدعاء لأمه لإحساسه بالذنب تجاهها وليصلها ثواب دعوة ( ولدها الصالح )
في يوم شراء الشبكة وجدته قليل الخبرة الاجتماعية ، ورأته مختلفا في عيون الناس ، كما أن رائحة الفقر تفوح في تلك المناسبات بشدة ، عادت للبيت محبطة طوال الطريق تفكر ، ولأول مرة تنظر إلي الخلف في الطريق الذي سارت فيه خطوات بحثا عن سكة الرجوع .
ظلت تتهرب من لقاءه فترة حتى حسمت أمرها مع نفسها وحين قابلته صارحته بما ظلت ترتب له منذ أيام ( كانت ميزتك الأساسية في نظري أنك شخص مثالي متدين لا تخطئ ، ولكن كلامك وأفعالك وما رأيته بعد اقترابي منك غير فكرتي )
قال ( تصلحين فريسة لنصاب محترف يغرقك بأوهامك ، أما أنا فإنني شاب عادي ولكني مخلص وصادق وأحبك وأتمني أن تقفي بصلابة علي أرض الواقع لنبني معا حياتنا )
قالت ( مستعدة للتضحية بكل شيء لتحقيق حلمي )
قال ( استمعي لي جيدا ، بمجاهدة النفس نصل لشاطئ اليقين ، وفي أثناء ذلك نمارس حياتنا المتوازنة كبشر ، أنت اعتدت الحلول السهلة الجاهزة بسبب حياتك المرفهة ، حتى التدين تريدين أن تصلي فيه إلي القمة علي جناح شخص يكاد يطير كأنه ملاك ،
ولكني أقولها لك أنا مجرد رجل مكافح ومؤمن و عبد لله تعالي ، أعرض عليك مشاركتي رحلة الحياة وسلاحنا فيها الإيمان بالله والسعي في مناكب الأرض ، أما إذا تشبثت بحلمك فأنا أنسحب ، كما ترين لم تنبت لي أجنحة )
تركها ومضي ولكنها ركضت خلفه فقد تأكدت أنه نصفها الآخر ورفيق رحلتها الذي ساقه الله لتبدأ معه مواجهة الواقع ومكابدته بعيدا عن الأحلام .